القيادة الفاعلة في المجتمعات القرآنية

تقرير تنفيذ لقاء – عن بعد

القيادة الفاعلة في المجتمعات القرآنية

المستضاف

د. سلمان عبد الله البسامي 

تاريخ اللقاء

28- ذو القعدة -1446هــ

نبذة تعريفية

دكتوراه في التفسير وعلوم القرآن مدرب معتمد في تطوير الذات مدير مجمع تحبير القرآني بخميس مشيط 

مدة اللقاء 

45دقيقة

عدد الحضور 

179مستفيد

وقت اللقاء 

 09:00– 09:45 م

محاور اللقاء :

  1. أهمية القيادة الفاعلة في المجتمعات القرآنية .
  2. ثلاث ركائز ينبغي أن يركّز عليها القائد في المجتمعات القرآنية.
  3. نبذة عن مقدم اللقاء – د. سلمان عبدالله البسامي.
  4. سمات القائد الفاعل في المجتمعات القرآنية .
  5. مراحل تكوين الفريق الفعّال في إدارة المجمع القرآني .
  6. مقاومة التغيير – سماته وآليات معالجته في المجمعات القرآنية، ونموذج تطبيقي لتجربة متميزة

ملخص اللقاء :

  1. المحور الأول: أهمية القيادة الفاعلة في المجتمعات القرآنية

في مستهل الحديث عن القيادة في المجتمعات القرآنية، لا بد أن يستشعر القائد عِظم الأمانة التي وُضعت على عاتقه؛ فهي ليست مجرد مهمة إدارية أو تنظيمية، بل هي رسالة سامية ومسؤولية عظيمة في إيصال الحق وتثبيت معاني الهداية في النفوس.

ففي هذا الطريق المبارك، قد يعترض القائد عقبات وابتلاءات، وقد يظهر من يسعى إلى التشويش أو الإفساد، لكن هذه سنة ماضية في درب الدعوة والعمل الصالح؛ إذ لا يُمتحن إلا من يسير في طريق الحق. ولو خلت الطريق من الفتن والابتلاءات، لربما شككنا في وجهتنا. لذلك، من واجب القائد أن يدفع السوء ما استطاع، ويحرص على صفاء إيمانه، وسلامة عمله من الفساد والتأثيرات السلبية.

إن حلقات التحفيظ والمجمعات القرآنية ليست مجرد مجالس لتلاوة أو حفظ، بل هي محاضن تربوية تنبض بالحياة، وتُشبه جناتٍ خضراء يتفيأ ظلالها من يعيش فيها. من يعيش بين ثنايا هذه المجالس، يجد في قلبه نورًا، وفي روحه سكينة، وكأنّه في نعيمٍ مُعجّل، يقدّم بين يدي الله عملًا يرجو به رضاه ونجاته يوم الحساب.

وإذ ننتقل إلى الحديث عن القيادة الفاعلة، فإن من أبلغ التعريفات ما قيل:

“القيادة هي القدرة على التأثير في الآخرين لتحقيق أهداف مشتركة، من خلال الإلهام والتحفيز واتخاذ القرارات المناسبة.”

وتكمن قوة هذا التعريف في مفاهيمه الجوهرية:

  • التأثير: لا تقوم القيادة بمجرد الأمر أو التنظيم، بل ترتكز على التأثير في القلوب والعقول.
  • الأهداف المشتركة: القيادة الناجحة لا تفرض أهدافًا على فريقها، بل تُشركهم في صياغتها، مما يعزز الانتماء والدافعية.
  • الإلهام والتحفيز: القائد القدوة هو من يلهم فريقه بسلوكه وقيمه، ويحفّزهم بالثقة، والدعم، والتقدير.
  • القرارات الصائبة: القدرة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب هي من أعمدة القيادة الراشدة.

فالقائد في البيئة القرآنية ليس فقط من ينظّم ويخطط، بل هو من يغرس القيم، ويبني النفوس، ويقود بفهم، وبصيرة، وثبات، نحو أهداف سامية تتصل بالقرآن وتعاليمه، وتثمر في الواقع نورًا وبركة.

نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من مفاتيح الخير، مغاليق للشر، وأن يرزقنا الإخلاص والثبات، ويجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم

  1. المحور الثاني: ثلاث ركائز ينبغي أن يركّز عليها القائد في المجتمعات القرآنية

في بيئة العمل القرآني، لا تقتصر القيادة على التنظيم والإشراف، بل تتجاوز ذلك لتكون قيادة بالقيم، وبناءً على رؤية واضحة، وتأثير عميق، وسلوكٍ يُحتذى. ولذلك، ينبغي على القائد في المجتمعات القرآنية أن يركّز على ثلاث ركائز أساسية تضمن له النجاح في أداء دوره وتأثيره الإيجابي:

تحقيق رؤية واضحة ومشتركة

لا يمكن أن تنهض المجتمعات القرآنية إلا برؤية نابعة من روح رسالتها، متوافَق عليها من جميع الأطراف، بدءًا بالمستفيد (الحلقة والمعلم) مرورًا بالشؤون التعليمية، وصولًا إلى الإدارة العليا ومجلس الإدارة.

يحرص القائد على أن تكون هذه الرؤية ملهمة، واقعية، قابلة للتحقيق، وتُعبّر عن طموحات المؤسسة، بحيث تتحوّل إلى خارطة طريق تُوَجّه الجميع نحو هدف موحّد. الرؤية الناجحة تُبنى بالتشاور وتُترجم إلى أهداف عملية يلتزم بها الجميع.

امتلاك أدوات التأثير الفعّالة

القيادة لا تُمارَس بالقوة أو الأوامر، بل بالتأثير. والقائد الناجح هو من يمتلك أدوات التأثير الفعّالة التي تناسب بيئة العمل القرآني، ومنها:

  • الحوار البنّاء،
  • التحفيز والتشجيع،
  • الإنصات الفعّال،
  • التقدير المعنوي والمادي،
  • بناء الثقة وتعزيز الانتماء.

هذه الأدوات تُسهم في خلق بيئة عمل صحية، محفّزة، تشجع على الإنجاز، وترسّخ القيم القرآنية في النفوس.

القدوة السلوكية الملهمة

من أقوى وسائل القيادة في المجتمعات القرآنية أن يكون القائد قدوة حقيقية لمن حوله، لا بالقول فقط، بل بالفعل والسلوك.

فهو:

  • قدوة في الإنجاز والالتزام
  • قدوة في الثبات على المبادئ والقيم
  • قدوة في التواضع والخلق الكريم
  • قدوة في التعامل الإنساني الراقي مع فريق العمل

بمثل هذا القائد، تتجسد القيم القرآنية واقعًا حيًا، ويصبح لها أثر ملموس في حياة العاملين والمستفيدين

  1. المحور الثالث: نبذة عن مقدم اللقاء – د. سلمان عبدالله البسامي

الدكتور سلمان عبدالله البسامي أحد الكفاءات التربوية والقيادية في ميدان العمل القرآني، يتمتع بخبرة تمتد لأكثر من عشر سنوات في إدارة المجمعات القرآنية، وهو يشغل حاليًا منصب مشرف أو مدير مجمع قرآني تحت مظلة جمعية “نبأ” لتحفيظ القرآن الكريم بخميس مشيط.

ولله الحمد، فقد كانت هذه السنوات حافلة بالعطاء، حيث أُتيح له زيارة العديد من المجمعات القرآنية داخل المنطقة وخارجها، والاطلاع على واقعها واحتياجاتها الفعلية.

ومن خلال هذه التجربة الميدانية، أدرك وجود فجوات واضحة في بعض الجوانب الإدارية والتربوية داخل المجمعات، مما دفعه إلى تطوير فكرة برنامج تدريبي متكامل يُلبّي تلك الاحتياجات.

وقد جمع في هذا البرنامج خلاصة خبراته العملية والتدريبية، إذ يمتلك الدكتور خلفية قوية في مجال تطوير الذات، وسبق له تقديم العديد من الدورات التدريبية المتخصصة في هذا المجال.

استند في بناء البرنامج إلى عدد من المحاور الرئيسة، وحرص على عرضها على نخبة من المختصين في المجال، وعلى رأسهم الجمعية التي يعمل تحت مظلتها، لضمان جودتها وواقعيتها.

ويُقدّم هذا البرنامج عادة في صيغة تدريبية تمتد من 5 إلى 6 ساعات، وقد تُجزأ أحيانًا على يومين لضمان استيعاب المادة وتفاعل المتدربين معها.

ويأتي هذا اللقاء اليوم امتدادًا لتلك الرؤية التربوية العميقة، وسعيًا لنقل التجربة والخبرة إلى العاملين في المجمعات القرآنية، بما يعزز أداءهم، ويرتقي برسالتهم، ويُسهم في بناء قيادات قرآنية واعية ومؤثرة.

  1. المحور الرابع: سمات القائد الفاعل في المجتمعات القرآنية .

لكي يكون القائد ناجحًا ومؤثرًا في بيئته، لا سيما في المجتمعات القرآنية، لا بد أن يتحلى بمجموعة من السمات والخصائص التي تُترجم رؤيته إلى واقع وتُحدث الأثر المرجو. ومن أبرز هذه السمات ما يلي:

  1. تجسيد القدوة:

القائد هو النموذج الأول الذي ينظر إليه الجميع، فإن التزم بالقيم التي ينادي بها، انعكس ذلك على من حوله. القدوة ليست بالقول فقط، بل بالفعل والسلوك والمواقف اليومية، حتى في أدق التفاصيل.

  1. إلهام رؤية مشتركة:

القائد الفعّال لا يعمل منفردًا، بل يستنهض الهمم حول رؤية واضحة يتشاركها الجميع، فيُشعل الحماس في نفوس فريقه، ويجعلهم يرون أنفسهم جزءًا من هدف سامٍ، يسعون لتحقيقه سويًا.

  1. وضع طرق العمل وتسهيل الوصول إليها:

لا يكفي وجود الهدف، بل يجب رسم خارطة الطريق نحوه. القائد الجيد يُحسن التخطيط، ويبتكر الوسائل، ويُهيّئ البيئة المناسبة للعمل، ويوزّع المهام بوضوح وفعالية، مع متابعة دقيقة ومرنة.

  1. دعم الآخرين وتمكينهم:

القيادة ليست تسلطًا، بل تمكين. فالقائد المتميز يمنح ثقته لفريقه، ويُشعر كل فرد بأهميته، ويدعم نموه وتطوره، ويحتوي التحديات التي تواجهه، ما يعزز روح المبادرة والانتماء.

  1. التعزيز والتشجيع المستمر:

التحفيز هو وقود الإنجاز. القائد الناجح يحرص على تقدير الجهود، ويحتفي بالنجاحات الصغيرة قبل الكبيرة، ويُكرّم المثابرين، ويغرس في نفوس الجميع شعور القيمة والرضا.

هذه السمات ليست فقط أدوات للنجاح الإداري، بل هي ركائز لقيادة تنبض بالإيمان، وتُجسد معاني الرحمة، وتبني مجتمعات قرآنية متماسكة، تسير على بصيرة وتُثمر أثرًا طيبًا في الأجيال.

  1. المحور الخامس: مراحل تكوين الفريق الفعّال في إدارة المجمع القرآني

تمر فرق العمل الناجحة في المجمعات القرآنية بعدة مراحل بنائية تشكّل أساسًا لفاعليتها واستقرارها. وفهم هذه المراحل يُساعد القائد على إدارة الفريق باحترافية، وتجاوز التحديات بوعي. وفيما يلي عرض للمراحل الأساسية لتكوين الفريق:

  1. مرحلة التكيّف (التشكيل):

هي المرحلة الأولى التي يتعرّف فيها أعضاء الفريق على بعضهم البعض، وتُطرح فيها الأهداف العامة والمهام، ويبدأ الجميع في استيعاب أدوارهم. يسود هذه المرحلة الحذر، ويكون القائد هو المحرك الأساسي لتوضيح الاتجاه وبناء الثقة.

  1. مرحلة الصراع:

مع بداية التفاعل الحقيقي، تبدأ الخلافات في وجهات النظر، وتظهر التباينات في الأساليب والتوقعات. هذه المرحلة طبيعية وضرورية للنمو، ويكمن دور القائد في إدارة الاختلافات بحكمة، وتحويلها إلى فرص للحوار والنضج الجماعي.

  1. مرحلة التعارض (أو إعادة التوازن):

يبدأ الفريق في البحث عن حلول وسط للتباينات السابقة، وتُبنى أسس التفاهم المشترك. يبدأ الأعضاء في تعديل سلوكياتهم وتقبّل أدوار بعضهم البعض، وتُستعاد روح الانسجام تحت مظلة القيادة الراشدة.

  1. مرحلة الأداء (الإنجاز):

يبلغ الفريق في هذه المرحلة ذروة التعاون والفعالية. يكون لكل عضو دوره الواضح، وتتحقق الأهداف بكفاءة عالية، وتُدار المهام بروح الفريق والعمل الجماعي. هنا يزدهر الإبداع، ويتجلى التمكين.

  1. مرحلة الإنهاء (الختام أو التجديد):

عند الانتهاء من المشروع أو تغيير الهيكل التنظيمي، يدخل الفريق في مرحلة إنهاء أو تجديد. يُراجع الفريق إنجازاته، وتُوثّق التجربة، وتُوجَّه رسائل التقدير والتحفيز، سواء لإعادة تشكيل الفريق لاحقًا أو إنهاء مهامه بروح إيجابية.

فهم هذه المراحل يُمكّن القادة في المجمعات القرآنية من بناء فرق عمل متماسكة، قائمة على الثقة والتكامل، تنجز الأهداف التربوية والإدارية بروح قرآنية سامية.

  1. المحور السادس : مقاومة التغيير – سماته وآليات معالجته في المجمعات القرآنية، ونموذج تطبيقي لتجربة متميزة

إن مقاومة التغيير تُعد سلوكًا بشريًا طبيعيًا يظهر عند إدخال أي تجديد في بيئات العمل، بما فيها المجمعات القرآنية. وقد تتجلى هذه المقاومة في أشكال متعددة مثل التردد، أو الاعتراض غير المباشر، أو ضعف الحماس.

ومن أبرز سمات مقاومة التغيير:

  1. الخوف من فقدان الاستقرار أو المكانة.
  2. غياب الفهم الكامل لأهداف التغيير وفوائده.
  3. التمسك بالروتين أو الطرق التقليدية في الأداء.
  4. ضعف المشاركة في اتخاذ القرار.

آليات معالجة مقاومة التغيير في المجمعات القرآنية:

  • التمهيد التدريجي للتغيير: من خلال إشراك المعلمين والإداريين في مراحل التخطيط وتوضيح الأهداف.
  • تعزيز التواصل الداخلي: وشرح مبررات التغيير والفوائد المترتبة عليه.
  • تقديم نماذج ناجحة محفّزة: من داخل بيئة العمل أو خارجها.
  • ربط التغيير بالمكافآت والتحفيز: لجعل التجربة أكثر قبولاً وحماساً.
  • التدرّج في تطبيق البرامج الجديدة مع وجود التغذية الراجعة.
  • نموذج تطبيقي: تجربة رائدة في تحفيز الطلاب وتجاوز مقاومة التغيير.

في أحد المجمعات القرآنية، تم تنفيذ برنامج تحفيزي إبداعي يتكوّن من خمس محطات، صُممت لتحفيز الطلاب على الإنجاز وتجاوز التحديات، وتعزيز دافعيتهم الداخلية بطريقة مبتكرة:

  • المحطة الأولى: “أسعد نفسك”
  • المستهدف: إتمام 6 أجزاء من القرآن الكريم (مستويان).
  • المكافآت: بكج مميز من القماش، طقم هدايا، و1500 نقطة في نظام “كود بلس”، وهو برنامج إلكتروني يُمكّن الطالب من الشراء من متجر إلكتروني خاص بالمجمع يحتوي على منتجات عصرية (جوالات، إكسسوارات، أدوات رياضية وحياتية).
  • المحطة الثانية: “أسعد أصحابك”
  • المستهدف: إنجاز 9 أجزاء (بإضافة 3 مستويات أخرى ليصل إلى 15 جزءًا).
  • المكافآت: تجربة فريدة بقيادة سيارة فارهة، زيارة منتجع فاخر، عشاء راقٍ مع الزملاء.
  • الإنجاز: في نهاية عام 1444هـ، تم تكريم 4 طلاب أنجزوا 15 جزءًا خلال عام واحد، وتم تنفيذ رحلة فاخرة لهم بحضور زملائهم ومعلميهم وتوثيقها إعلاميًا بشكل مؤثر.
  • المحطة الثالثة: “أسعد حلقتك”
  • المستهدف: إتمام 21 جزءًا من القرآن الكريم.
  • المكافآت: رحلة ترفيهية باسم الطالب بالتعاون مع جهات خارجية، بالإضافة إلى 2500 نقطة إضافية في “كود بلس”.
  • المحطة الرابعة: “أسعد أهلك”
  • المستهدف: ختم القرآن الكريم (30 جزءًا – 10 مستويات).
  • المكافآت: حجز شاليه عائلي لليلتين مخصص لعائلة الطالب، مع منحه 3000 نقطة لشراء ما يريده.
  • المحطة الخامسة: “التميز في الاختبار”
  • المستهدف: اجتياز اختبار “المتمين” المعتمد في الجمعية.
  • المكافآت: تكريم رسمي في الحفل الختامي للمجمع.

خلاصة:

هذه التجربة المتميزة تمثّل نموذجًا فعّالًا في التغلب على مقاومة التغيير، من خلال دمج التحفيز المادي والمعنوي، وربط التعلّم بالإنجاز الشخصي والاجتماعي، مما انعكس إيجابيًا على التفاعل داخل الحلقات، وساهم في بناء بيئة قرآنية نابضة بالحيوية والإبداع.

“عندما يُدار التغيير بروح القدوة والتحفيز، يتحول إلى طاقة دافعة لا عائق.”