• مقدمة النقاش:

في البيوت والمدارس والمجالس اليومية، لا تمر ساعة دون أن نوجه عبارات لأطفالنا، بعضها حازم، وبعضها عفوي، وأحيانًا كثير منها لحظي.. غير محسوب.

لكننا قلّما نقف لنسأل أنفسنا:

هل هذه العبارات نابعة من وعي تربوي وبصيرة نفسية؟

أم هي ردود أفعال آنية تعبّر عن توترنا، أو استعجالنا، أو توقعاتنا غير الواقعية؟

الطفل كائن حساس، يتشكّل إدراكه لذاته من انعكاس ما يقوله الكبار عنه،

فالعبارات لا تمر مرور الكرام، بل تبني أو تهدم، تفتح أو تغلق، تُنضج أو تُعقد.

فكيف نتحول من مربين نطلق العبارات بردة فعل… إلى مربين نختار كلماتنا بعناية ووعي؟

وهل نُدرك الأثر طويل المدى لما نقوله، حتى في أبسط المواقف؟

  1. مداخلات الأعضاء في النقاش:

المداخلة الأولى: الكلمات تصنع “هوية الطفل الذاتية”

 المبدأ التربوي:

الطفل يبني “صورة نفسه” من خلال ما يُقال له باستمرار.

  • مثال عملي:

طفل يسمع من والده دائمًا: نكرر عليه أنت مشاغب “

 مع الوقت، سيبدأ يرى نفسه بالفعل “مشاغبًا”، وستتكون لديه قناعة أنه مصدر إزعاج حتى لو لم يقصد.

  • المقابل الواعي:

“أنت شخص رائع، بس تحتاج تتعلم كيف تتحكم في انفعالاتك أكثر.”

 الرسالة: كلماتنا ليست وصفًا فقط، بل هي أحكام داخلية يُصدقها الطفل ويعيش على أساسها.

 المداخلة الثانية: ردة الفعل اللحظية تُصبح عبئًا طويل الأمد

الوضع المتكرر:

انفعال – صراخ – عبارة جارحة – ندم لاحق

لكن الطفل لا يسمع الندم.. يسمع العبارة فقط.

 أمثلة لعبارات شائعة وردية فعلية:

          •         “أنا ندمت إني سجلتك في هذا النشاط!”

          •         “ما فيك فايدة!”

          •         “شوف أخوك كيف أحسن منك.”

النتائج المتوقعة:

          •         ضعف احترام الذات.

          •         عزلة اجتماعية أو عدوانية.

          •         تعلق مرضي بالمدح أو الخوف من الفشل.

                       الرسالة: عبارة لحظية قد تصنع “عقدة دائمة” إذا لم تُصحح.

المداخلة الثالثة: التربية بالوعي تبدأ من النية وراء العبارة

 قبل أن تتكلم، اسأل نفسك:

          •         هل أريد تهذيب السلوك أم تفريغ انفعالي؟

          •         هل العبارة مناسبة لعمر الطفل وفهمه؟

          •         هل فيها احترام لمشاعره؟

 بدائل تربوية فعالة:

          •بدل “أنت فوضوي”، قل: “تعال نرتب الغرفة سوا، الترتيب مسؤولية حلوة.”

          •بدل “أنت ما تفهم أبدًا”، قل: “خلنا نحاول مع بعض مرة ثانية، أشرح لك بهدوء.”

 الرسالة: وعي المربي يظهر في لحظة الغضب.. لا في لحظة الصفاء.

 المداخلة الرابعة: العبارة الواعية تزرع “مهارة ذاتية” عند الطفل

 اللغة التربوية الراقية تبني الطفل من الداخل.

 أمثلة لعبارات تصنع شخصية قوية:

          •         “أنا أؤمن بقدرتك حتى لو غلطت.”

          •         “أنا هنا عشان أساعدك تتعلم، مو عشان ألومك.”

          •         “الغلط ما يعني إنك سيء، يعني إنك في طريق التعلم.”

🔹 الأثر التربوي طويل المدى:

          •         طفل واثق لا يتحطم من الأخطاء.

          •         استقلالية في اتخاذ القرار.

🎯 الرسالة: الكلمات الواعية تمنح الطفل أدوات للنجاح المستمر.

المداخلة الخامسة: المربي يحتاج “تدريبًا لغويًا داخليًا”

 الحل ليس فقط في تجنب العبارات الخاطئة، بل في استبدالها بعبارات بنّاءة.

تمرين عملي للمربين:

اكتب 5 عبارات سلبية تستخدمها غالبًا، ثم:

          •حلل ما خلفها من نية.

          •استبدل كل واحدة بعبارة إيجابية وهادفة.

 مثال:

          • “أنت ما تركز أبدًا!

          • “أحس إنك تقدر تركز أكثر، خل نحاول معًا بدون مشتتات.

الرسالة: حتى لغة الحب تحتاج تدريبًا.. فهل درّبنا ألسنتنا؟

 خاتمة النقاش:

العبارات التي نوجهها لأطفالنا، هي “بذور نفسية” نغرسها في تربتهم،

بعضها ينبت وردًا، وبعضها – إن لم ننتبه – ينبت شوكًا.

لسنا مطالبين أن نكون مثاليين دائمًا،

لكننا مسؤولون أن نكون واعين قدر الإمكان،

وأن نراجع لغتنا، لأنها تحكي قصة الطفولة في عقول أبنائنا.

كل عبارة تصدر من فمك، فكأنها حجر يُبنى به جدار ثقة أو يُهدم به جسر علاقة.

فلنجعل وعينا لغتنا،

ولنجعل كلماتنا مصدر أمان، لا مصدر ألم.

السؤال الختامي للنقاش:

ما العبارة التي كنت تقولها لأطفالك، وتوقفت عنها بعد أن وعيت أثرها؟

وما العبارة الجديدة التي التزمت بها بدلًا منها؟